الله جل جلاله خلق الإنسان وغيره من سائر المخلوقات، وكل خلق يختلف عن الخلق الآخر في مصدره، ولو كانوا يجتمعون في الصفات كالأيدي والأرجل وغيرها من الأجزاء، ولكن جعل الله لكل مخلوق قدرات تختلف عن الآخر، فلو أخذنا مثلاِ جهاز البصر فإن منهم من يستطيع أن يراك ولا تستطيع أن تراه كالملائكة والشياطين ومنهم وأنت تراه يستطيع أن يرى شيئا لا تستطيع أن تراه كبعض الحيوانات لأن الله سبحانه وتعالى أعطاه ميزات في جهازها البصري ليست موجودة في جهازنا البصري وبه تستطيع رؤية الطاقات الكهرومغناطيسية المنعكسة من الأشياء ولله في ذلك حكمة. ويجب أن يعرف الجميع بأن الفضاء من حولنا يعج بهذه الطاقات ومنها ما هو مرئي ومنها ما هو غير مرئي، وقدرة الإنسان على استغلال هذه الطاقات يعتمد على شيئين الأول طبيعي وهو يتمثل بالعين والتي حدودها فقط في استشعار الطاقة الموجودة في النطاق المرئي والثاني صناعي ويتمثل بالأجهزة المصنعة الحساسة (أجهزة الاستشعار (Sensors وبها تقاس الطاقة التي لا تستطيع العين رؤيتها وسوف نعطي أمثلة لكيفية عملها لاحقاً.
وسبب كتابتي في هذا الموضوع هو قراءتي لأحد المقالات في جريدة الراية القطرية بتاريخ 7/5/2006م بعنوان بلا قيود للكاتبة (مريم زايد) والتي تناولت فيه موضوع التحليل العلمي لرؤية الديكة للملائكة والحمير للشياطين، والتي تقول فيها الكاتبة بأن هناك طبيب عيون عربيا ولم تذكر اسم ذلك الطبيب، وفي سياق مقالها أوردت أن الطبيب قد تعمق في حديث الرسول صلى الله عليه وسلم الذي قال فيه: «إذا سمعتم أصوات الديكة فسلوا الله من فضله فإنها رأت ملكاً وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان فإنها رأت شيطاناً»، رواه مسلم وغيره.
هذا الحديث وغيره من الأحاديث الصحيحة أقول كما قال أبوبكر الصديق لقد صدق «فوالله انه ليخبرني ان الخبر ليأتيه من الله من السماء إلى الأرض في ساعة من ليل أو نهار فأصدقه»، وهذا لا نقاش فيه ولا يتعارض مع ما سأورده من شرح علمي حول هذا الموضوع. وأعود للمقال السابق الذي ذكرت حيث أشارت الكاتبة بأن ذلك الطبيب بعد تعمقه في الحديث السابق أثبت علمياً أن الملائكة بما أنهم مخلوقون من نور وهذا النور هو الأشعة فوق البنفسجية والشياطين وهم من الجان مخلوقون من النار أي من الأشعة تحت الحمراء، واستند بقوله إذا حضرت الملائكة ذهبت الشياطين وانه لا تجتمع الأشعة تحت الحمراء والأشعة فوق البنفسجية.
وأقول ان الملائكة خلقوا من نور والشياطين من نار وهذا كلام لا خلاف فيه وهو كلام الله جل جلاله، ولكن أقول إن كلام الطبيب غير مثبت علمياً ولا أدري كيفية إثبات ذلك الطبيب له!.. ومن الجهل الكبير أن يربط الملائكة بالأشعة فوق البنفسجية والشياطين بالأشعة تحت الحمراء ولم يكن يعلم ذلك الطبيب ان تلك الأشعة مكتشفة منذ زمن بعيد وهي جزء من الطاقة الكهرومغناطيسية، فالأشعة تحت الحمراء اكتشفت في عام 1800م على يد السير ويليم هيرشل، أما الأشعة فوق البنفسجية فلقد اكتشفها العالم جوهان ريتر في عام 1801م، وتوجد هناك أجهزة خاصة للرؤية في هذه المجالات. وعلى أية حال تعبتر الطاقة الكهرومغناطيسية المكتشفة مصدرها الرئيسي هو الشمس التي تنتج تلك الطاقة وهي تتدرج من الأقصر إلى الأطول كما يلي: أشعة جاما، أشعة إكس راي، أشعة الفوق بنفسجية، الأشعة المرئية، الأشعة تحت الحمراء القريبة والمتوسطة والبعيدة الحرارية، أشعة الميكروويف (رادار)، أشعة التلفزيون، وأشعة الراديو.
وهذه الأشعة القادمة بسرعة الضوء من الشمس (وتقدر سرعتها ب 299792,458كم. ثانية)، تسقط على الأجسام في الطبيعة وتمتص هذه الأجسام جزءاً من الأشعة وتعكس جزءاً آخر ومنها أيضاً ما ينبعث من الأجسام نفسها. وتلك الأشعة اما تكون أشعة مرئية أو غير مرئية وتقاس هذه الأشعة بوحدات الميكرون وهو جزء من مليون من المتر، والمللي ميكرون (النانومتر) وهو جزء من ألف مليون من المتر، والإنجستروم وهو جزء من عشرة آلاف مليون من المتر.
فالإنسان أعطاه الله حداً في قدرته على الابصار وهذا الحد هو النطاق المرئي من (0,4 إلى 0,7 ميكرون) أو من (400 إلى 700 نانومتر) أو من 4000 إلى (7000 أنجستروم) ومن خلال هذا النطاق فإن العين تميز الأشعة المنعكسة من الأجسام وتستقبلها خلال العدسة، وبعد ذلك توصل عبر الأعصاب إلى المخ وتكون الصورة لتلك الأجسام ويختزلها العقل فإن رآها في المرة الثانية يستطيع تمييزها والتعرف عليها بسهولة وحينما يرى الإنسان منظراً لأول مرة فإنه يختزلها وقد يتبادر لذهنه مناظر أخرى شبيهة لها، فالجهاز البصري لدى الإنسان خلقه الله في اتقان لا مثيل له وسبحان من اتقن وأبدع في الخلق. وفي الحقيقة ان الإنسان لا يرى في غير النطاق المرئي ولكن هناك أجهزة استشعار صممت خصيصاً لتقيس في النطاق غير المرئي وهذا على النقيض مما قال ذلك الطبيب العربي بقوله إذا كانت هناك أشعة فوق بنفسجية فإن الأشعة تحت الحمراء تتلاشى ولم يعلم بأنه يمكن تسجيل الطاقة الكهرومغناطيسية للأشعة فوق البنفسجية وفي نفس الوقت يمكن تسجيل الطاقة الكهرومغناطيسية للأشعة تحت الحمراء وهذا مثبت علمياً يعرفه المتخصصون في علم الاستشعار عن بعد (Remote Sensing).
أما الطاقة التي يرى فيها الملائكة والشياطين لا تدركها أبصارنا ولم تكتشف إلى يومنا هذا، وحتى لو اجتمع العلماء لدراسة الجهاز البصري للديكة والحمير فإن النتائج حتماً ستكون غير مجدية إلا بإذن من الله سبحانه وتعالى، كيف لا وهو الذي أرسى تلك الثوابت والتي لا يستطيع الإنسان أن يتعداها إلا بإذنه جل جلاله لو تعداها الإنسان لنعت بالجنون. والملائكة والشياطين لا أحد يستطيع إثبات رؤيتهم إلا ما ثبت عن الأنبياء عليهم السلام ومنهم الرسول صلى الله عليه وسلم حينما رأى جبريل عليه السلام على خلقته التي خلقه الله تعالى عليها، له ستمائة جناح قد سد الأفق، وكما أسلفت في القول ان الملائكة مخلوقون من نور وهذا النور لا تستطيع الأبصار الآدمية إدراكه لعدم قدرتها في تحسس الموجات المنعكسة من أجسامهم وكذلك الشياطين.
وفي خاتمة هذا المقال أقول ان الله سبحانه وتعالى أنعم علينا بنعمة تحديد البصر وذلك في حدود النطاق المرئي، ولو أن البشر عندهم القدرة على رؤية كل شيء من حولهم لأصابهم الذعر من الأشكال التي قد يرونها من شياطين ومن جن وغيرهم من مخلوقات الله التي لا تعد ولا تحصى.
تخيل وأنت خارج من منزلك ترى أشخاصاً يهمون بالدخول له حتماً ستكون في خوف دائم من تلك المخلوقات ولله حكمة في عدم قدرتنا على رؤيتهم. ومن النعم التي أنعم الله علينا بها، نعمة السمع وهي أيضاً وضع لها حدودا فلا نستطيع أن نسمع موجات أعلى أو أقل من النطاق السمعي ولو أن البشر لديهم القدرة على ذلك لما استطاعوا النوم أو الراحة كيف لا وهم يسمعون دبيب النمل وغيرها من المخلوقات، ومن ناحية أخرى لو كنا قادرين على سماع صرخات الموتى في القبور وهذه الصرخات حجبها الله سبحانه عن الإنسان كما جاء في صحيح البخاري من حديث أبي سعيد قال، قال صلى الله عليه وسلم: (إذا وضعت الجنازة واحتملها الرجال على أعناقهم، إن كانت صالحة قالت قدموني قدموني، وإن كانت غير ذلك قالت يا ويلها أين تذهبون بها، يا ويلها أين تذهبون بها، يسمع صوتها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعه لصعق)، بالتأكيد ستكون الحياة كلها فوضى وحزن وهم وغم ولكن رحمة من الله بنا نحن البشر أن حدد قدراتنا في النطاقين المرئي والسمعي في حدود معينة.